المادة    
قَالَ المُصنِّفُ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:
[وكذلك الحديث الذي في المسند من حديث أبي سعيد رضي الله عنه عن النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قول الماشي إِلَى الصلاة {أسألك بحق ممشاي هذا، وبحق السائلين عليك} فهذا حق السائلين، هو أوجبه عَلَى نفسه، فهو الذي أحق للسائلين أن يُجيبهم، وللعابدين أن يُثيبَهم، ولقد أحسن القائل:
ما للْعِبَادِ عَلَيْـهِ حَقٌ وَاجِبٌ            كَلاَّ وَلا سَعْيٌ لَدَيْهِ ضَـائِعُ
إنْ عُذِّبُوا فَبِعَدْلِهِ أو نُعِّمُوا            فَبِفَضْلِهِ وَهُوَ الكَرِيمُ السامِعُ
فإن قيل: فأيُّ فرقٍ بين قول الداعي: (بحق السائلين عليك) وبين قوله: (بحق نبيك) أو نحو ذلك؟ فالجواب أن معنى قوله: (بحق السائلين عليك) أنك وعدت السائلين بالإجابة، وأنا من جملة السائلين، فأجب دعائي، بخلاف قوله: بحق فلان، فإن فلاناً وإن كَانَ له حقٌ عَلَى الله بوعده الصادق، فلا مُناسبة بين ذلك وبين إجابة دعاء هذا السائل: فكأنه يقول: (لكون فلانٍ من عبادك الصالحين أجب دعائي) وأي مناسبة في هذا وأيُّ ملازمة؟ وإنما هذا من الاعتداء في الدعاء، وقد قال تعالى: ((ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ))[الأعراف:55] وهذا ونحوه من الأدعية المبتدعة، ولم يُنقل عن النبي صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا عن الصحابة ولا عن التابعين، ولا عن أحدٍ من الأئمة رضي الله عنهم، وإنما يُوجَد مثل هذا في الحُروز والهياكل التي يكتبها الجُهَّال والطُّرقية.
والدعاءُ من أفضلِ العبادات، والعباداتُ مبناها عَلَى السنة والاتباع، لا عَلَى الهوى والابتداع] إهـ.

الشرح:
هذا الحديث أخرجه الإمام أَحْمَد في المسند وكذلك ابن ماجه عن فضيل بن مرزوق عن عطية العوفي عن أبي سعيد والحديث في إسناده كلام.
  1. الكلام على الحديث سنداً

    أولاً: فُضيل بن مرزوق ضعيف.
    ثانياً: فيه عطية العوفي، وفيه يقولُ شَيْخُ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ: "إنه ضعيف باتفاق العلماء" أي: أنه لم يوثقه أحد من العلماء إلا الحافظ ابن حجر رَحِمَهُ اللَّهُ قَالَ: "إنه صدوق كثير الخطأ والأوهام"، ثُمَّ قَالَ: "كان شيعياً مدلساً"، وكيف كان مدلساً؟
    ذكر ذلك الشيخ الأرنؤوط ناقلاً عن ابن حبان قوله -وهو من كلام الإمام أَحْمَد عندما سُئل عن عطية- قَالَ: سمع من أبي سعيد الخدري أحاديث، فلما مات جعل يجالس الكلبي ويحضر قصصه، وكان الكلبي من القصاص المشهورين بذلك، فإذا قال الكلبي: قال رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بكذا، فيحفظه عطية ورواه عن الكلبي مكنياً له بـأبي سعيد فَيَقُولُ: عطية حدثنا أبو سعيد والنَّاس يعلمون أنه لقي أبا سعيد الخدري الصحابي المشهور رضى الله تَعَالَى عنه، بينما هو في الحقيقة رواه عن أبي سعيد الكلبي.
    وهذا نوع من شر أنواع التدليس؛ لأنه بمنزلة الكذب فهو يوهم السامع بأنه رواه عن ذلك الصحابي وأن الحديث محفوظ ومتصل وهو في الحقيقة ليس كذلك. وكفى بهذا الطعن رداً لهذا الحديث، والحديث لم يأت إلا من هذه الطريق، فهو لا يصح.
  2. الكلام عليه متناً

    ثُمَّ نقل المُصنِّف رَحِمَهُ اللَّهُ كلام شَيْخِ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ الموجود في قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة قَالَ: [فإن قيل: فأي فرق بين قول الداعي " بحق السائلين عليك " وبين قوله: "بحق نبيك أو نحو ذلك " فالجواب أن معنى قوله: " بحق السائلين عليك" أنك وعدت السائلين بالإجابة وأنا من جملة السائلين] نفترض صحة الحديث، فإذا سأل العبد الله تَعَالَى بعمل عمله هو ويظن عند نفسه أن هذا العمل خالص لِوجه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأنه خرج من بيته متطهراً يبتغي وجه الله، ورضوانه، إِلَى بيت من بيوت الله فيتوسل إِلَى الله بهذا العمل فَيَقُولُ: "أسألك بحق مماشى هذا" فهو يسأل الله بعمل له صالح.
    ثُمَّ يقول: [وبحق السائلين عليك]، وهو أحد السائلين، وعطفهم عَلَى عمله الذي عمله بنفسه
    فهذا لا يماثل من قَالَ: "أسألك بحق فلان" لأنه كما ذكر المُصنِّف هنا لا مناسبة ولا ملازمة ولا علاقة بين هذين الأمرين فيقول المصنف: ففي قوله :"أسألك بحق ممشاى هذا وبحق السائلين عليك" هذا حق السائلين هو الذي أوجبه سبحانه عَلَى نفسه فهو الذي أحق لهم أن يجيبهم، وللعابدين أن يثيبهم.

    والمصنف رَحِمَهُ اللَّهُ بنى الكلام عَلَى أساس افتراض صحة الحديث، والحديث غير صحيح فكلام المُصنِّف هنا يجب أن يعلق عليه بأن الحديث غير صحيح وأن هذا الكلام عَلَى فرض صحته زيادة من علماء السنة رحمهم الله تَعَالَى في نفي أي استدلال لأهل البدعة بأي وجه من الوجوه، فأجابَ شَيْخُ الإِسْلامِ ابْن تَيْمِيَّةَ بهذا الكلام الذي لخصه المُصنِّف هنا:
    وهو أن الحديث لا دلالة فيه حتى عَلَى فرض صحته، ثم ذكر في ذلك قول الشاعر:
    ما للْعِبَادِ عَلَيْـهِ حَقٌ وَاجِبٌ            كَلاَّ وَلا سَعْيٌ لَدَيْهِ ضَـائِعُ
    نعم، ليس لأحدٍ من الخلق عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى حق واجب، وكذلك لا سعي ضائع لأحد منهم، لأنه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يظلم مثقال ذرة كما قَالَ: ((وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا))[النساء:40] وقال أيضاً: ((مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا))[الأنعام:160] فهذا ميزانه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذه معاملته لعباده: "إن عذبوا فبعدله" فالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لا يظلم مثقال ذرة ولن يعذب الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى أحداً، إلا وهو مستحق لذلك.
    فإن عذبوا فبعدله أو نعموا فبفضله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فهو الذي أعطاهم الهداية، وهو الذي وفقهم لكل خير وصلاح.

    فالخير من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهو الذي أعطى الإِنسَان خلقه، وعافاه وهداه للإيمان، وأنعم عليه بنعمه ظاهرةً وباطنه، فإذا عبده العبد، أو أطاعه بأي أمر من الأمور فالفضل له أولاً وآخراً سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
    ولو أن الله تَبَارَكَ وَتَعَالَى لم يجعل لعباده من الجزاء والإفضال مقابل ما يقدمونه من طاعات إلا ما أنعم به عليهم من النعم في هذه الحياة الدنيا، لكان الفضل أيضاً لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ لأن عبادةَ هَؤُلاءِ الخلق لا تكافئ أن تكون مقابل بعض نعمه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى التي تفضل بها عليهم، فكيف وهو جل شأنه الذي يمد الإِنسَان بالقوة والعافية والهداية، ثُمَّ يثيبه عَلَى ما يعمل من طاعات، وَهو الذي وفقه لها بجنةٍ عرضها السماوات والأرض خالداً فيها أبداً، هذا غاية الكرم ولا أحد أكرم منه سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فلهذا قال الشاعر :
    إنْ عُذِّبُوا فَبِعَدْلِهِ أو نُعِّمُوا            فَبِفَضْلِهِ وَهُوَ الكَرِيمُ السامِعُ
    ولو أنه قَالَ: "وهو الكريم الواسع"، لكان أولى من ناحية المعنى لأن الواسع ورد في القُرْآن ((إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ)) [البقرة:115] وهو سامع أيضاً سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، لكن ما دام أن القافية تصح مع ما ورد فأظن أن ذلك أولى.

    فإن قيل: فأي فرق بين قول الداعي: "بحق السائلين عليك" وبين قوله: "بحق نبيك" وأهل البدعة يأتون بمثل هذا الحديث، ويقولون: "إن الشيخ مُحَمَّد بن عبد الوهاب رَحِمَهُ اللَّهُ قد ذكر هذا الحديث في كتابه آداب المشي إِلَى الصلاة فالشيخ مُحَمَّد بن عبدالوهاب يقر التوسل الذي -أنتم أيها الوهابيه- تنكرونه وتسمونه بدعياً"! فأنتم حتى خارجون عن الوهابية.
    وهذا الذي يريد أهل البدع أن يقولوه، وقد ذكر شَيْخ الإِسْلامِ عَلَى فرض صحة الحديث أن هناك فرق بين قول القائل "بحق السائلين عليك" وبين قوله: "بحق نبيك" صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو "بحق فلان من الناس".
    يقول المصنف: [فالجواب أن معنى قوله "بحق السائلين عليك" أنك وعدت السائلين بالإجابة وأنا من جملة السائلين فأجب دعائي] فهو في حالة سؤاله يسأله بحق السائلين، وهو منهم فهو لم يسأل بأجنبي، فَيَقُولُ: إنما أنا من جملة السائلين فأجب دعائي، فهنا صلة بين المتوسَّل به، وبين المتوسِل.
    أما قوله: " بحق فلان أو بحق فلان من النَّاس " فإن فلاناً وإن كَانَ له حق عَلَى الله بوعده الصادق سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فإنه لا مناسبة بين حق فلان الذي وعده الله تَعَالَى به وبين الداعي، ولهذا بين المُصنِّف أن هذا الداعي المبتدع كأنه يقول: [لكون فلان من عبادك الصالحين أجب دعائي] وهذا حقيقة ما يريدون أن يقولوه، ولا ملازمة، ولا مناسبة، ولا علاقة بين هذا وبين ذاك، فعباد الله الصالحين كثر، فمنهم الملائكة المقربون عنده، ومنهم الأَنْبِيَاء والرسل والشهداء وعباد الله الصالحين، وكلهم عبيد لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كما قَالَ: ((إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً)) [مريم:93] فهذا هو حالهم جميعاً وهذا السائل من جملة المطالبين بالعبودية
    لله ، والعبد مطلوب منه أن يعبد الله، وأن يتوسل إليه بما شرع من أعمال الخير، والطاعات وعلى رأسها التوحيد وعدم الابتداع.